من فضلكوا يا جماعة وقت القاعة خلص.
بهذه الكلمات أعلم أن يومي قد انتهى، كلمات تقولها أمينة المكتبة بلطف و رقة لا يعوضان الربع ساعة التي نرحل فيها مبكرا عن انتهاء مواعيد العمل. أجمع أشيائي و أضعها في حقيبتي و أتوكل على الله. ما أجمل أن يكون المرء سائرا في حاله في شارع سار فيه عشرات المرات في طريق عودته الى منزله و من حيث لا شيء يظهر الدكتور. أراه على بعد طويل و لا أملك الا أن أتبسم و أراقبه سائرا نحوي يفكر و لم يرني بعد، كانت كل خطوة من خطواتي تسير بي نحو حلم جميل و كل خطوة يخطوها هو كانت تردني للواقع الأجمل، لما رآني تبسم هو الآخر ولما اقترب أكثر توقفت و ظللت مبتسما حتى ملت شفتاي الفراق و أنظر اليه لحظة و الى الأرض لحظة أخرى غير مصدق أبدا ما يحدث و هو يتقدم نحوي و أسلم عليه و كعادته يسألني لما لم آتي الى غرفة العمليات ذلك اليوم، لم يكن أبدا في سؤاله ذرة تأنيب و لكنه كان كمن يطمئن الى أن كل شيء على ما يرام. أقول له أني أنوي الحضور في الأسبوع القادم و بطريقته المشجعه يقول: آه آه ان شاء الله، أودعه بأمنية أن أراه على خير و تدرك الأرض تحت أقدامي أعاصير المشاعر التي تطيح بكياني فترفعني عن الأرض و تستسمح من حولي من المارة و تقول لهم اعذروني و لكنه عاش لحظة من لحظات السعاده تلك النادرة و التي أحب أن أشاركه اياها. بعد هذا الموقف أصبحت آمل أن أراه مجددا و كنت أقول في نفسي أني لو كنت أعلم أن دعوتي مستجابة في تلك اللحظة و أني لو خيرت بين أن أراه مجددا و بين مليون جنيه فسأختار رؤيته مجددا، فالمليون جنيه لا تعطي للانسان أي قيمة في حين أنه بقيمه يعيد معايير الانسانيه الى ما يجب أن تكون عليه في قلبي و عقلي. ان هذا الأمل شيء غريب فأنا الآن أريد أن أذهب الى المكتبة كل يوم و أريد أن أعود من ذلك الشارع و ألعن الطريق الآخر الذي كنت اتخذه قبل ذلك، كم من مرات حرمتني فيها من لقياه أيها الشارع البائس. هذا الأمل هو عدو الرياضيات الأول فما هي الفرصة الاحصائية في أن أراه مجددا في هذا الطريق، تكاد تكون منعدمه و لكن يقف الأمل في وجه جون ناش نفسه و يقول له لا تهمني أرقامك و لن تقنعني معادلاتك فبي أصبح الشارع جميلا و بي أصبح الطريق مراد و سأظل أستمد شبابي من تلك الذكرى الجميلة الى ما شاء الله. أكمل الطريق و على وجهي تلك الابتسامة و التي بها ربماظن الناس من حولي أنني أمر بحالة من البلاهة لم يروا مثلها من قبل، لا يهم ما يظن هولاء التعساء، فانها كانت السعادة، السعادة فحسب.

No comments:
Post a Comment